لماذا ينبغي تناول المقارنات للشكوك الحقيقية؟

يتم إجراء قدر كبير من البحوث، حتى لو لم تكن هناك شكوك حقيقية. فالباحثون الذي يخفقون في إجراء مراجعات منهجية للاختبارات التي أجريت في الماضي على المعالجات قبل الانطلاق إلى إجراء المزيد من الدراسات، لا يعترفون أحياناً (أو أنهم يلجأون إلى تجاهل الحقيقة) أن الشكوك التي تثار حول تأثير المعالجات قد تم التصدِّي لها بالفعل وعلى نحو مقنع. وهذا يعني أن الأشخاص المشاركين في الأبحاث يحرمون أحياناً من تلقي المعالجة التي يمكن أن تفيدهم، أو يعطون معالجة قد تسبب الضرر لهم.

Tableويوضح الشكل المصاحب، والفقرة التي تليه، تراكم البيِّنات الناتجة عن الاختبارات غير المتحيزة لتقييم ما إذا كانت المضادات الحيوية (مقارنةً مع أدوية الغفل غير الفعالة)، تقلل من مخاطر حدوث الوفاة بعد الجراحة لدى الأشخاص الذين يخضعون لجراحات في الأمعاء (لاو وآخرون1990). وكان أول تقرير عن إجراء اختبار منصف قد صدر عام>1969وتركت النتائج التي أسفرت عنها هذه الدراسة الصغيرة شكاً حول ما إذا كانت المضادات الحيوية مفيدة – حيث إن الخط الأفقي الذي يمثل النتائج يعبُر فوق الخط الرأسي الذي يميز التأثيرات الإيجابية من التأثيرات غير الإيجابية للمضادات الحيوية. وقد تم التعرُّض لهذه الشكوك، على نحو صحيح تماماً، في الاختبارات الإضافية التي أجريت في أوائل السبعينات من القرن الماضي.

ومع تراكم البيِّنات، أصبح واضحاً، في منتصف سبعينات القرن الماضي أن المضادات الحيوية تقلِّل مخاطر الوفيات بعد الجراحة (الخط الأفقي يقع بوضوح على جانب الخط الرأسي الذي يأتي في صالح المعالجة)، ورغم ذلك فقد واصل الباحثون إجراء الدراسات بشكل مستمر حتى أواخر ثمانينات القرن الماضي. وعلى ذلك، فإن نصف المرضى الذين تلقوا دواءً غفلاً في هذه الدراسات الأخيرة حُرموا من أحد أشكال الرعاية التي ظهر أنها تقلِّل من مخاطر وفاتهم بعد الجراحات التي خضعوا لها. فكيف حدث هذا ؟ ربما لأن الباحثين واصلوا انطلاقهم في عملية البحث دون مراجعة البيِّنات الموجودة مراجعة منهجية. ويظل هذا السلوك شائعاً تماماً بين الباحثين، حيث إن بعضاً من الحوافز الموجودة في عالم البحوث – التجارية والأكاديمية – لا تضع مصلحـة المرضى في المقـام الأول (تشالمرز2000).

ويمكن للمرضى وللمشاركين في الدراسات البحثية أن يعانوا أيضاً بسبب عدم إجراء الباحثين مراجعة منهجية للبيِّنات ذات الصلة الناتجة عن التجارب البحثية على الحيوانات مثل بدء اختبار المعالجات على البشر. وقد راجع فريق هولندي تجربة أكثر من7000مريض اشتركوا في اختبارات حول دواء جديد مقيد للكالسيوم يعطى للأشخاص الذين يتعرضون للإصابة بالسكتة. ولم يجدوا بيِّنات تدعم استخدامه المتزايد في الممارسة (هورن وآخرون2001).

Calcium Antagonists in Strokeإن أكثر الأسباب شيوعاً في عدم تعرُّض البحوث للشكوك الحقيقية، هو أن البحوث ببساطة، لا تخضع لانضباط كاف لمراجعة البيِّنات ذات الصلة مراجعة منهجية قبل الانطلاق في إجراء دراسات بحثية جديدة. ومع ذلك، فقد تكون هناك أسباب شريرة أحياناً. ويمكن أن يكون الباحثون على علم بالبيِّنات الموجودة، إلا أنهم قد يرغبون في تصميم دراساتهم على نحو معيَّن يضمن أن تعطي دراساتهم نتائج في صالح معالجات بعينها. وغالباً، لكن ليس دائماً، ما يكون ذلك لأسباب أو أغراض تجارية (جيلبيغوفيتش وآخرون2000؛ ساكت وأوكسمان2003). ويتم تصميم هذه الدراسات عن عمد كي تكون بمثابة اختبارات غير منصفة للمعالجات. ويمكن أن يجري ذلك بحجب معالجة تكون قد خضعت للمقارنة ومعروف أنها تفيد المرضى (كما ورد في المثال أعلاه)، أو إعطاء معالجات سبق خضوعها للمقارنة، بجرعات منخفضة على نحو غير كاف (حتى لا تعطي التأثير الجيد المعروف عنها)، أو بجرعات عالية على نحو غير مناسب (حتى تحدث آثاراً جانبية غير مرغوب فيها، بشكل زائد) (انظر تعليقات مان وجيلبيغوفيتش). ويمكن أن ينتج ذلك أيضاً من متابعة حالات المرضى لفترة قصيرة (وعدم ملاحظة تأثيرات المعالجات التي تظهر في وقت لاحق) وباستخدام مقايـيس لنتائج (بدائل) تكون ذات علاقة بسيطة أو منعدمة العلاقة بالنتائج التي تهم المرضى.

وقد يكون من المدهش بالنسبة لقارئ هذا المقال أن لجان أخلاقيات البحوث التي شكلت خلال العقود الأخيرة لضمان توفر الجوانب الأخلاقية في البحوث، لم تفعل سوى القليل كي تؤثـر في هذا النوع من سوء الممارسة البحثية. إن غالبية هذه اللجان خذلت الناس الذين كان من المفترض أنها توفر الحماية لهم لأنها لم تلزم الباحثين والجهات الراعية بالتماس الموافقة على اشتمال الاختبارات الجديدة على مراجعة منهجية للبينات الموجودة (سافيلسكو وآخرون1996). وإن إخفاق لجان أخلاقيات البحوث في توفير حماية فعالة للمرضى والجماهير بهذا الشكل يؤكد أهمية تحسين المعارف العامة حول خصائص الاختبارات غير المتحيزة، للمعالجات الطبية