استخدام التحليل التجميعي من أجل التقليل من تأثير لعبة الصدفة

لابد، من أجل إجراء اختبارات منصفة للمعالجات الطبية، أن تراجع البينات ذات الصلة والموثوقة مراجعة منهجية . وحتى يمكن تجنب الخلوص إلى استنتاجات مضللة حول تأثيرات المعالجات، يتعين على الأشخاص الذين يقومون بإعداد المراجعات المنهجية، اتخاذ الخطوات اللازمة لتجنب الانحياز لأنواع بعينها، مثلاً، الأخذ في الحسبان جميع البينات ذات الصلة ، وكذلك تجنب الانتقاء المتحيز من البيِّنات المتوفرة .

وعلى الرغم من أخذ الحيطة للتقليل إلى الحد الأدنى من الانحيازات التي قد تتم في المراجعات، فقد تنشأ أيضاً استنتاجات مضللة حول تأثيرات المعالجات بفعل لعبة الصدفة. كما أن مناقشة دراسات منفصلة، لكنها متشابهة، كل على حدة، في إطار المراجعات المنهجية، يمكن أن يترك  أيضاً انطباعاً مشوشاً بسبب لعبة الصدفة . ومن الممكن التقليل من هذه المشكلة من خلال ضم المعطيات من جميع الدراسات ذات الصلة، باستخدام إجراء إحصائي يعرف الآن بالتحليل التجميعي، إذا كان ممكناً وملائماً.

Errors of Observationوإن معظم الأساليب الإحصائية المستخدمة اليوم في مجال التحليل مستمدة مما توصل إليه كل من عالم الرياضيات الألماني كارل غوس وعالم الرياضيات الفرنسي بيير – سيمون لا بلاس، في النصف الأول من القرن التاسع عشر. ومن بين المجالات التي وجدت فيها طرقهما تطبيقاً عملياً، الفلك: فلمَّا كان قياس أوضاع النجوم في مناسبات متفرقة يعطي نتائج مختلفة قليلاً، في معظم الحالات، فقد دعت الحاجة إلى وجود أساليب تُضم من خلالها التقديرات من أجل الحصول على معدل مستمد من هذه النتائج. وفي عام1861، نشر الفلكي البريطاني، جورج آيري، كتاباً للفلكيين (آيري1861) وصف فيه الطرق المستخدمة في هذه العملية الخاصة بالتجميع الكمي. وبعد مرور قرن أو أكثر قليلاً، أطلق عالم اجتماع أمريكي هو جين غلاس، على هذه العملية ((  التحليل التجميعي  )) (غلاس1976).

لقد نشر مقال طبي مبكر للتحليل التجميعي في المجلة الطبية البريطانية في عام1904، نشره ((  كارل بيرسون  )) (بيرسون1904 ؛ أو رورك2006) الذي طلبت منه الحكومة مراجعة بينات خاصة بتأثير لقاح ضد التيفود. ورغم أن الإحصائيين قد طوروا الطرق الخاصة بالتحليل التجميعي على مدى الأعوام السبعين اللاحقة، فإن تطبيقها على نطاق أوسع لم يبدأ إلا في سبعينيات القرن الماضي، حيث شُرع في ذلك من قبل علماء الاجتماع (غلاس1970)، ثم من قبل الباحثين الطبيين (ج ستيرنسوارد1974؛ ستيرنسوارد وآخرون1976؛ كوكران وآخرون1977؛ تشالمرز وآخرون1977؛ تشالمرز1979؛ 1980المقالة الافتتاحية).

The Cochrane Collaborationويمكن إيضاح التحليل التجميعي باستخدام شعار إسهامات كوكران . فهذا الشعار يوضِّح التحليل التجميعي للمعطيات المستمدَّة من سبعة اختبارات منصفة، ويمثِّل كل خط أفقي نتائج اختبار واحد (كلما قصر الخط، كانت النتائج مؤكَّدة أكثر) ويمثل المعيَّن نتائجها المجمعة. ويوضح الخط الرأسي الوضع الذي ينبغي تجمع الخطوط الأفقية حوله إذا كان للعلاجين الخاضعين للمقارنة تأثيرات متشابهة. وإذا قطع خط أفقي الخط الرأسي، فإن هذا يعني أن ذلك الاختبار لم يجد فرقاً واضحاً بين المعالجات (لا يعتد به إحصائياً). وعندما تقطع خطوط أفقية منفردة الخط الرأسي (عدم وجود فرق)، فإن ذلك يشير إلى أن المعالجة إما تُزيد أو تقلل من وفيات الولدان. وإذا ما أُخذا معاً، فإن الخطوط الأفقية تنـزع إلى السقوط على جانب المستفيد (الجانب الأيسر) الذي يشير إلى عدم وجود فروق. ويمثل المعين النتائج المجمعة لهذه الاختبارات، والتي أنشئت باستخدام العمليات الإحصائية للتحليل التجميعي. ومن الواضح أن مكان المعين سيكون إلى يسار الخط الخاص (بعدم وجود فرق) وهو ما يوضح أن المعالجة مفيدة.

ويبيّن هذا المخطط البياني نتائج المراجعة المنهجية للاختبارات المنصفة لدورة قصيرة وغير مكلفة لدواء ستيرويدي، يعطى للنساء اللاتي يُنتظر أن يلدن ولادة مبتسرة، وقُدِّمت تقارير عن الاختبار الأول من هذه الاختبارات في عام1972. ويلخص المخطط البياني البيِّنات التي كان من الممكن أن يكشف النقاب عنها لو كانت الاختبارات الموجودة قد خضعت لمراجعة منهجية بعد ذلك بعقد من الزمان، أي في عام1981:حيث أوضحت بشدة أن الأدوية الاسترويدية تقلل من مخاطر الوفاة الناجمة عن مضاعفات الولادة المبتسرة. وبحلول عام1991، قدمت تقارير عن سبع دراسات أخرى، وأصبحت الصورة في الشعار أقوى.

ولم تكن أي من المراجعات المنهجية قد نُشرت حتى عام1989(كراولي1989)، الأمر الذي لم يجعل أغلب أطباء التوليد، والقابلات، والنسوة الحوامل يدركون الفعالية العالية لهذه المعالجة. ورغم ذلك، فإن بعضاً من الاختبارات لم تظهر فائدة يُعتد بها إحصائياً. وربما كانت هذه الاختبارات فقط هي التي كانت محل الملاحظة. وبسبب عدم إجراء مراجعات منهجية، فقد عانى عشرات الآلاف من الأطفال الرضع المبتسرين وتوُفُّوا دون مبرر، كما أهدرت الموارد على إجراء بحوث لا ضرورة لها. وما ذلك إلا مثال واحد من بين أمثلة عديدة للثمن الذي تدفعه البشرية، والذي يمكن أن ينجم عن الإخفاق في تقييم آثار المعالجات في إطار مراجعات منهجية وحديثة للاختبارات المنصفة باستخدام التحليل التجميعي من أجل تقليل احتمالية التضليل الذي يمكن أن تسببه لعبة الصدفة .

ومع نهاية القرن العشرين، أصبح من المقبول تماماً اعتبار التحليل التجميعي عنصراً مهماً من عناصر الاختبارات المنصفة للمعالجات، وأنه ساعد كثيراً على تجنُّب عمل استنتاجات غير صحيحة بعدم وجود تأثيرات للمعالجات بينما كانت هناك تأثيرات فعلية، سواء كانت تأثيرات مفيدة أم ضارة.